وروي عن مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (ع) قال: لما نزلت هذه السورة قال النبي (ص) لجبريل (ع): ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنه صلاتنا، وصلاة الملائكة في السماوات السبع، فإن لكل شئ زينة، وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة. قال النبي (ص): رفع الأيدي من الاستكانة.
قلت: وما الاستكانة؟ قال: ألا تقرأ هذه الآية (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون). أورده الثعلبي والواحدي في تفسيرهما.
(إن شانئك هو الأبتر) معناه: إن مبغضك هو المنقطع عن الخير، وهو العاص بن وائل. وقيل: معناه أنه الأقل الأذل بانقطاعه عن كل خير، عن قتادة.
وقيل: معناه أنه لا ولد له على الحقيقة، وأن من ينسب إليه ليس بولد له. قال مجاهد: الأبتر الذي لا عقب له، وهو جواب لقول قريش: إن محمدا (ص) لا عقب له، يموت فنستريح منه، ويدرس دينه، إذ لا يقوم مقامه من يدعو إليه، فينقطع أمره. وفي هذه السورة دلالات على صدق نبينا (ص) وصحة نبوته أحدها:
إنه أخبر عما في نفوس أعدائه، وما جرى على ألسنتهم، ولم يكن بلغه ذلك، فكان على ما أخبر.
وثانيها: إنه قال (أعطيناك الكوثر) فانظر كيف انتشر دينه، وعلا أمره، وكثرت ذريته، حتى صار نسبه أكثر من كل نسب، ولم يكن شئ من ذلك في تلك الحال وثالثها: إن جميع فصحاء العرب والعجم، قد عجزوا عن الإتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها مع تحديه إياهم بذلك، وحرصهم على بطلان أمره، منذ بعث النبي (ص) إلى يومنا هذا. وهذا غاية الإعجاز ورابعها: إنه سبحانه وعده بالنصر على أعدائه، وأخبره بسقوط أمرهم، وانقطاع دينهم، أو عقبهم، فكان المخبر على ما أخبر به. هذا وفي هذه السورة الموجزة من تشاكل المقاطع للفواصل، وسهولة مخارج الحروف، بحسن التأليف، والتقابل لكل من معانيها، بما هو أولى به، ما لا يخفى على من عرف مجاري كلام العرب.