المقيم واللذة الدائمة وهذا ما قال به مسلم ولا نصراني ولا يهودي ولا مشرك ولا فيلسوف أما المسلمون فيعتقدون دوام الجنة والنار وأما المشرك فيعتقد عدم البعث وأما الفيلسوف فيعتقد أن النفوس الشريرة في ألم فهذا القول الذي قاله هذا الرجل ما نعرف أحدا قاله وهو خروج عن الإسلام بمقتضى العلم إجمالا وسبحان الله إذا كان الله تعالى يقول (أولئك الذين يئسوا من رحمتي) وكذلك قوله تعالى (كلما خبت زدناها سعيرا) ونبيه صلى الله عليه وسلم يخبر بذبح الموت بين الجنة والنار ولا شك أن ذلك إنما يفعل إشارة إلى يأسهم وتحققهم البقاء الدائم في العذاب فلو كانوا ينتقلون إلى اللذة والنعيم لكان ذلك رجاء عظيما لهم وخيرا من الموت ولم يحصل لهم اليأس فمن يصدق بهذه الآيات والأحاديث كيف يقول هذا الكلام وما قاله من مخالفة الحكمة جهل وما ينسبه إلى الأشعري رضي الله عنه افتراء عليه نعوذ بالله تعالى منه. فإن قلت: قد يقول إنه تخلص نفوسهم من الشر بذلك العذاب فيسلمون. قالت: معاذ الله أما إسلامهم في الآخرة فلا ينفعهم بإجماع المسلمين وبقوله تعالى (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) وأما خلوصهم من الشرط فباطل لقوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) و (طبع على قلوبهم) فهذا يستحيل أن يخرج الشر من قلوبهم أو يدخل فيها خير. فإن قلت: ما في خلق هؤلاء من الحكمة قلت إظهار القدرة واعتبار المؤمنين وفكرتهم في عظمة الله تعالى القادر على أن يخلق الملائكة والبشر الصالحين والأنبياء ومحمدا صلى الله عليه وسلم سيد الخلق وعلى أن يخلق من الطرف الآخر فرعون وهامان وأبا جهل وشياطين الجن والإنس وإبليس رأس الضلال والقادر على خلق دارين متمحضة كل واحدة منهما هذه للنعيم المقيم وهذه للعذاب الأليم ودار ثالثة وهي الدنيا ممتزجة من النوعين فسبحان من هذه قدرته وجلت عظمته وكان الله سبحانه قادرا أن يخلق الناس كلهم مؤمنين طائعين ولكن أراد سبحانه أن يبين الشئ وضده علمه من علمه وجهله من جهله، والعلم منشأ السعادة كلها نشأ عنه الإيمان والطاعة، والجهل منشأ الشقاوة
(١٥٦)