قلت: ومن أسمائه تعالى شديد العقاب والجبار والقهار والمذل والمنتقم فيجب دوامه بدوام ذاته وأسمائه أيضا فنقول لهذا الرجل إن كانت هذه الأسماء والصفات تقتضي دوام ما يقتضيه من الأفعال فيلزم قدم العالم وإن كانت لا تقتضي فلا يلزم دوام الجنة فأحد الأمرين لازم لكلام هذا الرجل وكل من الأمرين باطل فكلام هذا الرجل باطل فإن قلت: قد قال إنه خبر أن رحمته وسعت كل شئ وسبقت رحمتي غضبي فإذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة. قلت: الآخرة داران دار رحمة لا يشوبها شئ وهي الجنة ودار عذاب لا يشوبه شئ وهي النار وذلك دليل على القدرة والدنيا مختلطة بهذا وبهذا فقوله إذا قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة البتة إن أراد نفي الرحمة مطلقا فليس بصحيح لأن هناك كمال الرحمة في الجنة وإن أراد لم يكن في النار قلنا مه؟ وإن قال إنها شئ والعقاب شئ وقد قال تعالى (فسأكتبها للذين يتقون) فإن قلت قد ثبت أنه حكيم رحيم والنفوس الشريرة التي لو ردت إلى الدنيا لعادت لا تصلح أن تسكن دار السلام فإذا عذبوا عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة أما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا وفي الآخرة لا تكون إلا في العذاب فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر في غيره، ولهذا كان جهم ينكر أن يكون الله تعالى أرحم الراحمين بل يفعل ما يشاء والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره ليس عندهم في الحقيقة له حكمة ولا رحمة وإذا ثبت أنه حكيم رحيم وعلم بطلان قول جهم تعين إثبات ما تقتضيه الحكمة والرحمة وما قاله المعتزلة أيضا باطل فقول القدرية والمجبرة والنفاة في حكمته ورحمته باطل ومن أعظم غلطهم اعتقادهم تأبيد جهنم فإن ذلك مستلزم ما قالوه وقد أخبر تعالى أن أهل الجنة والنار لا موتون فلا بد لهم من دار ومحال أن يعذبوا بعد دخول الجنة فلم يبق إلا دار النعيم والحي لا يخلو من لذة أو ألم فإذا انتفى الألم تعينت اللذة الدائمة قلت: قد صرح بما صرح به في آخر كلامه فيقتضي أن إبليس وفرعون وهامان وسائر الكفار يصيرون إلى النعيم
(١٥٥)