قلت: قد اعترض هذا المصنف على الاجماع لأنه غير معلوم فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع نعم قد يظن فيها الاجماع وذلك قبل أن يعرف النزاع وقد عرف النزاع قديما وحديثا بل إلى الساعة. قلت:
الاجماع لا يعترض عليه بأنه غير معلوم بل يعترض بنقل خلاف صريح ولم ينقله وإنما هو من تصرفه وفهمه وقوله إن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع دعوى مجردة. فإن قلت قد قال لم أعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم قال لا تفنى إنما المنقول عنهم ضد ذلك لكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا. قلت: هو مطالب بالنقل عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ولن يجده وغايته كما قلت لك أن يأخذه من كلمات وردت فهم منها ذلك، ويجب تأويلها تحسينا للظن بهم. فإن قلت: قد قال إنه ليس في القرآن ما يدل على أنها لا تفنى بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبدا وأنه يقتضي خلودهم فيها ما دامت باقية لا يخرجون منها مع بقائها وبقاء عذابها كما يخرج أهل التوحيد. قلت: قد قلت لك إن حقيقة الخلود في مكان يقتضي بقاء ذلك المكان وقد تأملت كلام المصنف فلم أر فيه زيادة على ذلك بل اندفع في ذكر الآيات وأحاديث الشفاعة ولم يبين ما يؤول إليه أمر الكفار بعد فناء النار. فإن قلت: قد فرق بين بقاء الجنة والنار شرعا وعقلا أما شرعا فمن وجوه: أحدهما أن الله تعالى أخبر ببقاء نعيم أهل الجنة ودوامها وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها. قلت:
قد أخبر في النار وأهلها إنهم في عذاب مقيم وإنهم لا يفتر عنهم ولا يخفف عنهم فلو فنيت لكان إما أن يموتا فيها أو يخرجوا وكل منهما أخبر في القرآن بنفيه. فإن قلت: قد ذكره من الوجوه الشرعية أن الجنة من مقتضى رحمته والنار من عذابه فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب دوامه بدوام معاني أسمائه وصفاته والعذاب من مخلوقاته والمخلوق قد يكون له انتهاء لا سيما مخلوق خلق لحكمة تتعلق بغيره.