الخلد أو ما اشتق منه في أربع وثلاثين في النار وثمان وثلاثين في الجنة وذكر التأبيد في أربع في النار مع الخلود وفي ثمان في الجنة منها سبع مع الخلود وذكر التصريح بعدم الخروج أو معناه في أكثر من ثلاثين، وتضافر هذه الآيات ونظائرها يفيد القطع بإرادة حقيقتها ومعناها وأن ذلك ليس مما استعمل فيه الظاهر في غير المراد به ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك وتلقوه خلفا عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك ومن رد ذلك فهو كافر ومن تأوله فهو كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني وهو كافر أيضا بمقتضى العلم.
وقد وقفت على التصنيف المذكور وذكر فيه ثلاثة أقوال في فناء الجنة والنار: أحدها أنهما تفنيان وقال إنه لم يقل به أحد من السلف والثاني أنهما لا تفنيان والثالث أن الجنة تبقى والنار تفنى ومال إلى هذا واختاره وقال إنه قول السلف ومعاذ الله وأنا أبرئ السلف عن ذلك ولا أعتقد أن أحدا منهم قاله وإنما روي عن بعضهم كلمات تتأول كما تتأول المشكلات التي ترد وتحمل على غير ظاهرها فكما أن الآيات والأحاديث يقع فيها ما يجب تأويله كذلك كلام العلماء يقع فيه ما يجب تأويله ومن جاء إلى كلمات ترد عن السلف في ترغيب أو ترهيب أو غير ذلك فأخذ بظاهرها وأثبتها أقوالا ضل وأضل وليس ذلك من دأب العلماء ودأب العلماء التنقير عن معنى الكلام والمراد به وما انتهى إلينا عن قائله فإذا تحققنا أن ذلك مذهبه واعتقاده نسبناه إليه وأما بدون ذلك فلا ولا سيما في مثل هذه العقائد التي المسلمون مطبقون فيها على شئ كيف يعمد إلى خلاف ما هم عليه ينسبه إلى جلة المسلمين وقدوة المؤمنين ويجعلها مسألة خلاف كمسألة في باب الوضوء ما أبعد من صنع هذا عن العلم والهدى وهذه بدعة من أنحس البدع وأقبحها أضل الله من قالها على علم فإن قلت قد قال الله تعالى (لابثين فيها أحقابا) قلت: هو جمع منكر