فيهم السمن " وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " وهو حديث صحيح فأوجب أولا الوفاء وهذا قول مالك رضي الله عنه في المشهور عنه ومن تبعه وقول ربيعة وإحدى الروايات عن أبي حنيفة وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال بوجوب الوفاء روى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الهيثم بن سنان أنه سمع ابن عمر وسأله بعض أهله أنه كسى امرأته كسوة فسخطتها فقالت إن لبستها في رتاج الكعبة قال ابن عمر لتجعل مالها في رتاج الكعبة قال إنما مالها في الغنم والإبل قال ابن عمر: لتبع الغنم والإبل في رتاج الكعبة، وروي عن أنس رضي الله عنه مثل ذلك عن مالك بن دينار وأن امرأة أتته فقالت إن زوجها كساها كسوة وإنها غضبت فجعلتها هدية إلى بيت الله إن لبستها قال فانطلقت إلى أنس فسألته فقال أن لبستها فلتهدها وإسناد هذا الأثر أيضا جيد، ونقل هذا القول وهو وجوب الوفاء عن إبراهيم النخعي.
وإنما سقت هذه الأقوال لأن هذا المبتدع قال إن القول بوجوب الوفاء لم ينقل عن الصحابة ولا عن التابعين وقد صح ذلك عمن ذكرنا وسيأتي أثر آخر فيه ابن عمر وابن عباس والزبير وجابر رضي الله عنهم إن شاء الله تعالى، وقال طائفة أخرى: يكفر إن شاء ولا يلزمه الوفاء به وهؤلاء أجروا هذا النذر مجرى اليمين لما ذكرنا من حصول المعنى الذي شرعت الكفارة في اليمين لأجله وهو أنه عقد يمينه بما التزمه من طاعة الله التي إن خالف عند لزومها فقد انتهك حرمة الحق فجبره بكفارة يمين كما يجبر انتهاك حرمة الاسم المعظم إذا حنث بكفارة يمين وقد أفتى بذلك جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وقد قال الشافعي رضي الله عنه أن هذا قول عائشة رضي الله عنها وعدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الشافعي في ذلك يتخير بين الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين.