وقيل بالكفارة على وجه التخيير فاعلم أن النذر في أصله قربة ووضعه الأصلي أن يعلق التزام قربة على مطلوب يريده أما جلب نعمة أو دفع نقمة كقوله: إن شفى الله مريضي فلله علي صوم شهر أو إن رد الله تعالى الغائب فلله علي أن أتصدق بكذا، وهذا نذر شرعي ويسمى عند الفقهاء نذر التبرر والوفاء اللازم فإذا حصل ما طلبه وهو المعلق عليه وجب عليه الوفاء بما نذر ولا تجزئة في ذلك كفارة يمين، هذا أصل الباب ووضعه في الشرع فإن التزم قربة على غير مطلوب كقوله: لله علي أن أصوم كذا أو أن أتصدق بكذا فهل يسمى هذا نذرا فيه خلاف وأكثر العلماء على أنه نذر يجب الوفاء به، ولكن أصل الباب هو التعليق، ثم إن الناس توسعوا في ذلك فصاروا يعلقون لزوم القربة على ما يريدون الحث عليه أو المنع منه كقول القائل: إن كلمت فلانا فعلي صوم شهر وإن لم أعط فلانا كذا فعلي صدقة وما أشبه ذلك فهذا تعليق قربة على أمر يطالب وقوعه أو المنع منه فهو تعليق قربة على مطلوب فمن هذا الوجه هو نذر يشبه نذر التبرر لما فيه من صريح التعليق للقربة على مطلوب وفي معناه شبه اليمين من جهة أنه لا على التزام القربة على وجه التقرب بل قصد حث نفسه أو منعها بما علق من لزوم القربة التي إن خالف ولم يلتزمها عند وقوع الشرط فقد ترك حق الله ولم يقم به ولم يعظمه حق تعظيمه فصار ذلك في المعنى كقول القائل: والله لأفعلن أو والله لا أفعل فإن معنى كلامه إني إن فعلت فقد خالفت ما عقدت به قولي من الاسم المعظم فلست معظما له حق تعظيمه فصار في هذا النذر شبه من اليمين في المعنى وهو بلفظ النذر لأجل الذي يجب الوفاء به، وقد مدح الله قوما على الوفاء بالنذر فقال تعالى (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) وذم النبي صلى الله عليه وسلم قوما على ترك الوفاء بالنذر فقال في حديث عمران بن حصين وهو في الصحيح " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن من بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر
(١١٧)