مطعوم وغفل عن القيد المخصص وهو قوله (إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) إلى آخر الآية، وهذا يوضح أن العمل بالعموم بمجرده من غير نظر في أدلة التخصيص والتقييد خطأ من العامل به، وأمثلة ذلك كثيرة لا نطيل بذكرها، والآية التي احتج بها هذا المبتدع وهي قوله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) إلى آخر الآية والآية الأخرى وهي قوله تعالى (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) إذا سمعها العامي يظن دخول يمين الطلاق في ذلك وقال هي يمين والله جعل في كل يمين كفارة واعتقد صحة قول هذا المبتدع وتلبس عليه باطله فإذا اعترف أنه لا ينبغي له أن يعمل بالعموم حتى يعرف هل له مخصص ويعرف ما يعارضه من الأدلة فوض الأمر إلى أهله وعلم أن فوق كل ذي علم عليم، وكذلك لا ينبغي أن يأخذ بأدلة الكتاب حتى يعلم ما في السنة مما يبينه أو يخصصه أو يقيده قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال صلى الله عليه وسلم " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول لا أدري ما سمعنا في كتاب الله اتبعناه " الحديث، والحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شئ فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا لي نارا فأوقدوا ثم قال ألم يأمركم رسول إليه صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا " وقال: " لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف " ولم يعذرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأخذ بإطلاق قوله " اسمعوا له وأطيعوا " لما دلت الأدلة على أن الطاعة إنما تكون فيما وافق الحق ولا طاعة في المعصية مع أنهم قد لا يكونون ممن سمع لك الأدلة فإن الممتنعين من الدخول فيها لم يأخذوا إلا بأنهم إنما أسلموا ليسلموا من النار فكيف يؤمرون
(١١٢)