وقع القتال تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء بين الصفين، فدعا الزبير، فدنا منه حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنك ستقاتله وأنت ظالم له؟ قال: اللهم نعم. قال:
فلم جئت؟ قال: جئت لأصلح بين الناس. فأدبر الزبير وهو يقول:
أتى علي بأمر كنت أعرفه * قد كان عمر أبيك الخير مذحين فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت منه اليوم يكفيني فاخترت عارا على نار مؤججة * أنى يقوم لها خلق من الطين نبئت طلحة وسط القوم منجدلا * ركن الضعيف ومأوى كل مسكين قد كنت انصره حينا وينصرني * في النائبات ويرمي من يراميني حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني قال: أقبل الزبير إلى عائشة فقال: يا أمة الله، مالي في هذا الأمر بصيرة وأنا منصرف. فقالت عايشة. أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب؟ فقال: إنها والله طوال جدا وتحملها فئة أجلاء.
ثم أتى عبد الله ابنه فقال: يا بني إني منصرف. فقال: أتفضحنا في قريش؟
أتتركنا حتى إذا التقت حلقتا البطان، فضحتنا في العرب؟ لا والله لا تغسل رؤوسنا منها أبدا، أجبنا كل ما أرى يا أبتاه؟
فقال: يا ميسرة أسرج لي الفرس، ثم هيأ فرسه فرمى بها إلى القوم ثلاث مرات فحطمهم ثم انصرف إلى ابنه فقال: يا بني أيفعل هذا الجبان؟ قال: لا فما ردك يا أبتاه؟ قال: إن علمته كسرك، قم بأمر الناس.
فخرج الزبير راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل في بني تميم فأخبر الأحنف بانصرافه فقال: ما أصنع به إن كان الزبير لف بين الغازيين