وإنما اشترطنا الحكم الشرعي، لأن العزم في الثواب واستحقاق المدح حكم المعزوم عليه، وكذلك العزم على القبيح مستحق عليه الذم كما يستحق على الفعل القبيح، وإن وقع اختلاف في تساويه أو قصور العزم في ذلك عن المعزوم عليه.
ومما يدل على صحة ما اخترناه أنه لو كان عزيمة الأكل وما أشبهه من المفطرات يفسد الصوم لوجب أن يذكرها أصحابنا في جملة ما عددوه من المفطرات المفسدات للصوم التي رووها عن أئمتهم عليهم السلام وأجمعوا عليها بتوقيفهم حتى ميزوا ما يفطر ويوجب الكفارة وبين ما يوجب القضاء من غير كفارة، ولم يذكر أحد منهم على اختلاف تصانيفهم ورواياتهم أن العزم على بعض هذه المفطرات يفسد الصوم، ولا أوجبوا فيه قضاء ولا كفارة، ولو كان العزم على الجماع جاريا مجرى الجماع لوجب أن يذكروه في جملة المفطرات ويوجبوا فيه إذا كان متعمدا القضاء والكفارة كما أوجبوا متناولة من ذلك.
فإن قيل: فما قولكم في من نوى عند ابتداء طهارته بالماء إزالة الحدث ثم أراد أن يطهر رأسه أو رجليه غير هذه النية فنوى بما يفعل النظافة وما يجري مجراها مما يخالف إزالة الحدث.
قلنا: إذا كانت نية الطهارة لا يجب إذا وقعت النية في ابتدائها أن تجدد حتى يقارن جميع أجزائها، بل كان وقوعها في الابتداء يقتضي كون الغسل والمسح طهارة، فالواجب أن نقول: متى غير النية لم يؤثر هذا التغيير في استمرار حكم النية الأولى. كما أنه لو عزم أن يحدث حدثا ينقض الوضوء ولم يفعله لا يحب أن يكون ناقضا لحكم الطهارة ولم يجر العزم على الحدث في الطهارة مجرى المعزوم نفسه.
وهذا الذي شبه مسألة الصوم وإنا فرضنا من عزم على الفطر في خلال النهار وقلنا إنه بهذا العزم لا يفسد صومه.