لا بد له من قبول صريح، وليس في قوله " بعني " أو " زوجني " ما ينبئ عن القبول، لأن الأمر لا يفهم منه ذلك. ألا ترى أنه لو قال له " أتبيعني " أو قال " أتزوجني " قال الآخر " بعتك " فإن أحدا لا يقول إن ذلك يغني عن القبول، فكذلك إذا قال " بعني " أو " زوجني ".
فإن قيل: إنما لم يغن " أتبيعني " عن القبول لأنه استفهام لا يدل على إرادة الأمر للمأمور به، فقام مقام القبول دون الاستفهام.
قلنا: الأمر وإن دل على الإرادة ولم يدل الاستفهام عليها فليس بقبول صريح.
ألا ترى أنه لو قال مصرحا " أنا مريد للنكاح أو البيع " لم يكن ذلك قبولا، فإذا كان التصريح بكونه مريدا لا يغني عن لفظ القبول فأجدر أن لا يغني عن لفظ القبول الأمر الذي يدل على الإرادة.
وإنما ضاق الكلام على أبي حنيفة في هذه المسألة مع الشافعي، لأن الشافعي يحمل البيع على النكاح ولم يختلفا في النكاح. ونحن نسوي بين الأمرين في أنه لا بد من قبول صريح فيهما، فليس يتوجه كلام الشافعي علينا.
فإن قال الناصر لأبي حنيفة: إن العادة بالسوم في البيع جارية، فإذا قال له " بعني " فإنما هو مستام، فإذا قال " بعتك " يحتاج إلى قبول مجدد. وليس كذلك النكاح، لأن العادة لم تجر فيه بالمساومة بقوله " زوجنيها " عن أن يقول " تزوجت ".
قلنا: الخطبة في النكاح كالسوم في البيع، وقد جرت العادة بأن يخطب الرجل ويعرض نفسه في عقد النكاح على غيره كما جرى في البيع بالمساومة، فلا يجب أن يجعل قوله " بعني " ولا " زوجني " مفهوما منه القبول في الموضعين ولا بد من قبول صريح.
والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أنه لو قال له " ابتع مني هذا الثوب