من عاش لم تجن عليه نوب * شابت نواحي رأسه أو هرما إن قيل: كيف تكون ظالمة بتشبيه الشيب بالثغام وهو أشبه شئ به؟
قلنا: لم تظلم لأجل التشبيه الذي هو صحيح واقع، ولكن لأنها ذمت بذلك الشيب وهجنته وأزرت عليه، ولهذا عورضت بأن لون ما تهواه من الشباب يشبه الفحم الذي الثغام على كل حال أفضل منه.
فأما الذي أوله " صبغ الدجى أبعد عن فاحشة " فعزيز المعنى، لأن النهار نفسه وما يشبه بالنهار من الشيب أبعد من الفواحش والقبائح، أما النهار فإنه يظهرها ولا يسترها والشيب يعظ ويزجر عن ركوبها، وصاحبه في الأكثر عند الناس منزه عنها. وصبغ الدجى الذي هو الليل نفسه وما يشبه به من الشباب أدنى القبائح، لأن الليل يستر القبيح ويخفيه والشباب يدعو إلى اقتراف القبيح ويعلق على صاحبه منه ما لا يعلق على ذي الشبيبة.
ونظير " صبغ الدجى أبعد عن فاحشة " قولي:
لا تنكريه فهو أبعد لبسة * عن قذت قاذفة وقرف قروف ونظير قولي " ولم يزل صبغ الدجى متهما " قولي:
ومعيري شيب العذار وما درى * أن الشباب مطية للفاسق ولي من قصيدة أولها " ليس للقليب في السلو نصيب ":
ولقد قلت للمليحة والرأس بصبغ المشيب ظلما خضيب لا تريه مجانبا للتصابي * ليس بدعا صبابة ومشيب