إنه لو جناه علي - أعني الشيب - غير الله تعالى الذي لا يغالب ولا يمانع لما أطعته ولا أنقدت له. وهذه غاية التعزز والافتخار.
فإن قيل: كيف سمى ما يفعله الله تعالى بأنه جناية، وهذه اللفظة لا تستعمل في المتعارف إلا في ما كان قبيحا.
قلنا: سميناه بهذا الاسم استعارة وتجوزا ليطابق ويجانس قولي " ولو جنته يد ما كنت طائعها "، وله نظائر كثيرة في القرآن والشعر، قال الله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (1) و " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (2).
ولي في التسلية عن الشيب والاعتذار بحلوله، وهي قطعة مفردة:
أماوي إن كان الشباب الذي انقضت * لياليه عني شاب منك صفاء فما الذنب لي في فاحم حال لونه * بياضا وقد حال الظلام ضياء وما إن عهدنا زائلا حان فقده * وإن كان موقوفا أزال أخاء ولو كان في ما يحدث الدهر حيلة * أبيت على هذا المشيب إباء فلا تنكري لونا تبدلت غيره * كمستبدل بعد الرداء رداء فإني على العهد الذي تعهدينه * حفاظا لما استحفظتني ووفاء مشيب كفتق الليل في مدلهمة * أتاك يقينا أو أزال مراء كأن الليالي عنه لما رمينني * جلون صداء أو كشفن غطاء فلا تجعلي ما كان منك من الأذى * عقابا لما لم آته وجزاء وعدي بياض الرأس بعد سواده * صباحا أتى لم أجنه ومساء