من قول البحتري مشيب كبت السوعى بحمله محدثه، لأن البحتري لم يخرج نزول الشيب من أن يكون مستندا إلى إيثار مؤثره وإن توفرت دواعيه، والبيت الذي لي يزيد على ذلك بالإضافة على ما يقع وجوبا، إما بالطبع على قول من أثبته أو على جهة الوجوب، فهو أشد استيفاء للمعنى.
ولا بد من تقدير ما يضاف إلى الشعب مما يليق به لأنه معطوف على السلك والسلك يليق بالهوى ولا يليق ذلك بالشعب، فيجب أن يقدر فعل يليق به مثل سيل الشعب أوما أشبهه.
وقد ذكرت ما يشبه بعض الشبه في البيت الثالث من هذه الأبيات عند ذكر ما أخرجته للبحتري.
فأما البيت الرابع فمعناه: أن الشيب هجم بغتة وفجأة، فما ضره أو قدم له نذيرا يشعر بوفوده وقرب وروده، فيكون حمله أخف و خطبه أهون.
ومعنى " أعيا علي حلوله ورحيله " إنني لا أطيق دفع نزوله إذا نزل كما لا أطيق دفع رحيله إذا رحل وفارق بالموت والفناء وكأنني مقهور عليه في جميع أحواله. وجعلت نصول الشيب إلى الفناء كما كان نصول الشباب إلى الشيب، وكما كان الفناء عاقبة الشيب كان الشيب عاقبة الشباب وغايته.
وما عدا هذا من الأبيات واضح المعنى، يسبق الفهم إليه من غير تأمل.
ولي من قصيدة أولها " أما لك من مشيب ما أمالا ":
وكان الدهر ألبسني سوادا * أروق به الغزالة والغزالا نعمت بصبغه زمنا قصيرا * فلما حالت الأعوام حالا