قال الواقدي: فلما كانت الليلة التي أصبح فيها بالجحفة رأى فيها أبو بكر في منامه أن النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه قد دنوا من مكة فخرجت عليهم كلبة تهر (1) فلما دنوا منها استلقت على قفاها، وإذا أطباؤها (2) تشخب لبنا. فقصها على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال ذهب كلبهم، وأقبل درهم، وهم سائلونا بأرحامهم، وأنتم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه. قال الواقدي: وإلى أن وصل مر الظهران لم يبلغ قريشا حرف واحد من حاله، فلما نزل بمر الظهران أمر أصحابه أن يوقدوا النار، فأوقدوا عشرة آلاف نار، وأجمعت قريش أن يبعثوا أبا سفيان يتجسس لهم الاخبار، فخرج هو وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء.
قال: وقد كان العباس بن عبد المطلب قال: وا سوء صباح قريش! والله إن دخلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر، قال العباس: فأخذت بغله رسول الله (صلى الله عليه وآله) الشهباء فركبتها، وقلت: ألتمس حطابا أو إنسانا أبعثه إلى قريش فيلقوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فوالله إني لفي الأراك ليلا أبتغي ذلك إذ سمعت كلاما يقول: والله إن رأيت كالليلة نارا، قال: يقول بديل بن ورقاء:
إنها نيران خزاعة جاشها (3) الحرب. قال: يقول أبو سفيان: خزاعة أذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، فعرفت صوته، فقلت: أبا حنظلة! فعرف، صوتي، فقال: لبيك أبا الفضل!
فقلت: ويحك! هذا رسول الله في عشرة آلاف، وهو مصبحكم، فقال: بأبي وأمي، فهل من حيلة! فقلت: نعم، تركب عجز هذه البغلة، فأذهب بك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنه إن ظفر بك دون ذلك ليقتلنك، قال: والله أنا أرى ذلك، فركب خلفي، ورحل