تظل جيادنا متمطرات * تلطمهن بالخمر النساء فلما انتهى إلى الكعبة تقدم على راحلته، فاستلم الركن بمحجنه، وكبر فكبر المسلمون لتكبيره، وعجوا بالتكبير حتى ارتجت مكة، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف بالبيت على راحلته، ومحمد بن مسلمة آخذ بزمامها، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصوصة بالرصاص، وكان هبل أعظمها، وهو تجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل كلما يمر بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، فيقع الصنم لوجهه، ثم أمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير لأبي سفيان: يا أبا سفيان، قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم، فقال: دع هذا عنك يا بن العوام فقد أرى ان لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان.
قال الواقدي: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ناحية من المسجد وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة يأتيه بالمفتاح مفتاح الكعبة، فقال عثمان: نعم، فخرج إلى أمه وهي بنت شيبة، فقال لها والمفتاح عندها يومئذ: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد طلب المفتاح، فقالت: أعيذك بالله أن يكون الذي يذهب مأثرة قومه على يده! فقال:
فوالله لتأتيني به أو ليأتينك غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حجرتها، وقالت أي رجل يدخل يده هاهنا! فبينما هما على ذلك وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبى بكر وعمر في الدار، وعمر رافع صوته حين رأى عثمان أبطأ: يا عثمان اخرج، فقالت أمه: خذ المفتاح، فلان تأخذه أنت أحب إلى من أن يأخذه تيم وعدي، فأخذه فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما تناوله بسط العباس بن عبد المطلب يده وقال: يا رسول الله، بأبي أنت! أجمع لنا بين السقاية والحجابة، فقال: إنما أعطيكم ما ترضون فيه، ولا أعطيكم ما ترزءون منه،