عليهم، فخرج أبو سفيان حتى دخل من كداء وهو ينادى: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، حتى انتهى إلى هند بنت عتبة فقالت: ما وراءك؟
قال: هذا محمد في عشره آلاف، عليهم الحديد، وقد جعل لي أنه من دخل داري فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، فقالت: قبحك الله من رسول قوم! وجعلت تقول: ويحكم اقتلوا وافدكم قبحه الله من وافد قوم! فيقول أبو سفيان:
ويحكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإني رأيت ما لم تروا: الرجال، والكراع، والسلاح، ليس لأحد بهذا طاقة، محمد في عشرة آلاف، فأسلموا تسلموا. وقال المبرد في " الكامل ": أمسكت هند برأس أبي سفيان وقالت: بئس طليعة القوم! والله ما خدشت خدشا، يا أهل مكة، عليكم الحميت الدسم فاقتلوه. قال الحميت: الزق المزفت.
قال الواقدي: وخرج أهل مكة إلى ذي طوى ينظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانضوى إلى صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ناس من أهل مكة ومن بنى بكر وهذيل، فلبسوا السلاح، وأقسموا لا يدخل محمد مكة عنوة أبدا. وكان رجل من بنى الدؤل يقال له: حماس بن قيس بن خالد الدؤلي لما سمع برسول الله (صلى الله عليه وآله) جلس يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لم تعد السلاح؟ قال: لمحمد وأصحابه، وإني لأرجو أن أخدمك منهم خادما، فإنك إليه محتاجة، قالت: ويحك لا تفعل! لا تقال محمدا، والله ليضلن هذا عنك لو رأيت محمدا وأصحابه، قال: سترين، وأقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو على ناقته القصواء معتجرا (1) ببرد حبرة، وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود، حتى وقف بذي طوى، وتوسط الناس، وإن عثنونه ليمس واسطة الرحل، أو يقرب منه تواضعا لله حيث رأى ما رأى من الفتح وكثرة المسلمين وقال لا عيش الا عيش الآخرة.