والجواب أن كونه لم يستخلف لا يدل على تحريم الاستخلاف، كما أنه من لم يركب الفيل لا يدل على تحريم ركوب الفيل. فإن قالوا ركوب الفيل فيه منفعة ولا مضرة فيه ولم يرد نص بتحريمه، فوجب أن يحسن. قيل لهم: والاستخلاف مصلحة، ولا مضرة فيه، وقد أجمع المسلمون أنه طريق إلى الإمامة، فوجب كونه طريقا إليها، وقد روى عن عمر أنه قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى - يعنى أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير منى - يعنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأما الاجتماع المشار إليه فهو أن الصحابة أجمعوا على أن عمر إمام بنص أبى بكر عليه، وأنفذوا أحكامه، وانقادوا إليه لأجل نص أبى بكر لا لشئ سواه، فلو لم يكن ذلك طريقا إلى الإمامة لما أطبقوا عليه. وقد اختلف الشيخان أبو علي وأبو هاشم في أن نص الامام على إمام بعده:
هل يكفي في انعقاد إمامته فقال أبو علي: لا يكفي، بل لابد من أن يرضى به أربعة حتى يجرى عهده إليه مجرى عقد الواحد برضا أربعة، فإذا قارنه رضا أربعة صار بذلك إماما، ويقول في بيعة عمر: إن أبا بكر أحضر جماعة من الصحابة لما نص عليه ورجع إلى رضاهم بذلك، وقال أبو هاشم بل يكفي نصه عليه ولا يراعى في ذلك رضا غيره به ولو ثبت أن أبا بكر فعله لكان على طريق التبع للنص، لا أنه يؤثر في إمامته مع العهد، ولعل أبا بكر إن كان فعل ذلك فقد استطاب به نفوسهم، ولهذا لم يؤثر فيه كراهية طلحة حين قال: وليت علينا فظا غليظا. ويبين ذلك أنه لم ينقل استئناف العقد من الصحابة لعمر بعد موت أبى بكر ولا اجتماع جماعة لعقد البيعة له، والرضا به، فدل على أنهم اكتفوا بعهد أبى بكر إليه * * *