لان الأنبياء لا يخلون بالواجب، فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة، فتركا مندوبا إليه، وحرما بذلك أنفسهما الثواب وسماه إزلالا، لأنه حط لهما عن درجة الثواب وفعل الأفضل، وقوله تعالى في موضع آخر: ﴿وعصى آدم ربه فغوى﴾ (1) لا ينافي هذا المعنى، لان المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب والندب معا. قوله: " فغوى " أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه على أن صاحب الكتاب يقول:
إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا ولا ذما، فعلى مذهبه أيضا تكون المفارقة بينه وبين أبى بكر ظاهرة، لان أبا بكر خبر عن نفسه ان الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الاشعار والأبشار، ويأتي ما يستحق به التقويم، فأين هذا من ذنب صغير لا ذم ولا عقاب عليه، وهو يرجى من وجه من الوجوه مجرى المباح، لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله (2) وحط رتبته، وليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية والاشفاق على ما ظن، لان مفهوم خطابه يقتضى خلاف ذلك، ألا ترى أنه قال: " إن لي شيطانا يعتريني " وهذا قول من قد عرف عادته، ولو كان على سبيل الاشفاق والخوف لخرج عن هذا المخرج، ولكان يقول: فإني آمن من كذا وإني لمشفق منه. فأما ترك أمير المؤمنين عليه السلام مخاصمة الناس في حقوقه فكأنه إنما كان تنزها وتكرما وأي نسبة بين ذلك وبين من صرح وشهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة وأما خبر استقاله البيعة وتضعيف صاحب الكتاب له فهو أبد يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه. وقوله: إنه ما استقال على التحقيق، وإنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الامر عنه، وأنه غير مكره لهم عليه فبعيد من الصواب: لان ظاهر قوله " أقيلوني " أمر بالإقالة، وأقل أحواله أن يكون عرضا لها وبذلا، وكلا الامرين قبيح. ولو أراد ما ظنه لكان له .