على أنه غير مكره لهم، وأنه قد خلاهم وما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه. وقد روى أن أمير المؤمنين عليه السلام أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله، والمراد بذلك أنه تركه وما يختار.
اعترض المرتضى رضي الله عنه فقال: أما قول أبى بكر: " وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن اعوججت فقوموني، فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم " فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين: أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم، ولا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية، وقد بينا ان الامام لا بد ان يكون معصوما موفقا مسددا، والوجه الاخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه، ولا يضبط غضبه ومن هو في نهاية الطيش والحدة والخرق والعجلة. ولا خلاف أن الامام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف، غير حاصل عليها وليس يشبه قول أبى بكر ما تلاه من الآيات كلها. لان أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب، وأن عادته بذلك جاريه، وليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان ولا يطيعه، ويزين له القبيح فلا يأتيه، وليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب، بل هو زيادة في التكليف، ووجه يتضاعف معه الثواب وقوله تعالى: (ألقى الشيطان في أمنيته) قيل: معناه في تلاوته، وقيل: في فكرته، على سبيل الخاطر، وأي الامرين كان، فلا عار في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله ولا نقص وإنما العار والنقص على من يطيع الشيطان ويتبع ما يدعو إليه. وليس لأحد أن يقول: هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان)، لأنه قد خبر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل. وذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم وحواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة وترك التناول منها، ولم يكن ذلك عليهما واجبا لازما،