والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت إلى بيت المال، ثم خرج ونادى مناديه: من كانت له مظلمة من بعيد أو قريب من أمير المؤمنين فليحضر فقام، رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس واللحية، فقال: أسألك كتاب! الله قال: ما شأنك؟ قال: العباس بن الوليد ابن عبد الملك اغتصبني ضيعتي - والعباس جالس - فقال عمر: ما تقول يا عباس؟ قال:
أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلا. فقال عمر: ما تقول أنت أيها الذمي؟
قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله! فقال عمر: إيها لعمري إن كتاب الله لاحق أن يتبع من كتاب الوليد، أردد عليه يا عباس ضيعته، فجعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة.
وروى ميمون بن مهران، قال: بعث إلى عمر بن عبد العزيز وإلى مكحول وأبى قلابة فقال: ما ترون في هذه الأموال التي أخذها أهلي من الناس ظلما؟ فقال مكحول قولا ضعيفا كرهه عمر، فقال: أرى أن تستأنف وتدع ما مضى، فنظر إلى عمر كالمستغيث بي، فقلت: يا أمير المؤمنين، أحضر ولدك عبد الملك لننظر ما يقول، فحضر، فقال: ما تقول يا عبد الملك؟ فقال: ماذا أقول؟ ألست تعرف مواضعها! قال: بلى والله، قال: فارددها، فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها.
وروى ابن درستويه، عن يعقوب بن سفيان، عن جويرية بن أسماء، قال: كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة، وكانت باليمامة. وكانت أمرا عظيما لها غلة عظيمة كثيرة، إنما عيشه وعيش أهله منها، فلما ولى الخلافة قال لمزاحم مولاه - وكان فاضلا -: إني قد عزمت أن أرد السهلة إلى بيت مال المسلمين، فقال مزاحم: أتدري كم ولدك؟ إنهم كذا وكذا قال فذرفت عيناه، فجعل يستدمع ويمسح الدمعة بأصبعه الوسطى، ويقول أكلهم إلى الله أكلهم إلى الله! فمضى مزاحم فدخل على عبد الملك ابن عمر، فقال له: ألا تعلم ما قد عزم عليه أبوك! إنه يريد أن يرد السهلة، قال: فما قلت