فإن قيل: فقد قال بعده: " موجود لا عن عدم " فلا يبقى بين الكلمتين فرق.
قيل: بينهما فرق، ومراده بالموجود لا عن عدم هاهنا وجوب وجوده ونفي إمكانه، لان من أثبت قديما ممكنا، فإنه وإن نفى حدوثه الزماني فلم ينف حدوثه الذاتي، وأمير المؤمنين عليه السلام نفى عن البارئ تعالى في الكلمة الأولى الحدوث الزماني، ونفى عنه في الكلمة الثانية الذاتي. وقولنا في الممكن: إنه موجود من عدم، صحيح عند التأمل، لا بمعنى أن عدمه سابق له زمانا، بل سابق لوجوده ذاتا، لان الممكن يستحق من ذاته أنه لا يستحق الوجود من ذاته.
وأما قوله: " مع كل شئ لا بمقارنة "، فمراده بذلك أنه يعلم الجزئيات والكليات كما قال سبحانه: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " (1).
وأما (2) قوله: " وغير كل شئ لا بمزايلة "، فحق، لان الغيرين في الشاهد هما ما زايل أحدهما الآخر وباينه بمكان أو زمان، والبارئ سبحانه يباين الموجودات مباينة منزهة عن المكان والزمان، فصدق عليه أنه غير كل شئ لا بمزايلة.
وأما قوله: " فاعل لا بمعنى الحركات والآلة "، فحق، لان فعله اختراع، والحكماء يقولون: إبداع، ومعنى الكلمتين واحد، وهو أنه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منا، ولا يوجد شيئا من شئ.
وأما قوله: " بصير إذ لا منظور إليه من خلقه "، فهو حقيقة مذهب أبي هاشم (3) رحمه الله وأصحابه، لأنهم يطلقون عليه في الأزل أنه سميع بصير، وليس هناك مسموع ولا مبصر، ومعنى ذلك كونه بحال يصح منه إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت،