ولا حركة جسم خارج الفلك الأقصى، وليس ذلك إلا لاستحالة وجود الأجسام وحركتها، إلا في الفضاء.
ومنها إن البارئ - سبحانه - خلق في الفضاء الذي أوجده ماء جعله على متن الريح، فاستقل عليها وثبت وصارت مكانا له، ثم خلق فوق ذلك الماء ريحا أخرى سلطها عليه فموجته تمويجا شديدا حتى ارتفع، فخلق منه السماوات. وهذا أيضا قد قاله قوم من الحكماء، ومن جملتهم تاليس الإسكندراني، وزعم أن الماء أصل كل (1) العناصر، لأنه إذا انجمد صار أرضا، وإذا لطف صار هواء، والهواء يستحيل نارا، لان النار صفوة الهواء.
ويقال: إن في التوراة في أول السفر الأول كلاما يناسب هذا، وهو أن الله تعالى خلق جوهرا، فنظر إليه نظر الهيبة، فذابت أجزاؤه فصارت ماء، ثم ارتفع من ذلك الماء بخار كالدخان، (2 فخلق منه السماوات، وظهر على وجه ذلك الماء زبد 2)، فخلق منه الأرض، ثم أرساها بالجبال.
ومنها: أن السماء الدنيا موج مكفوف، بخلاف السماوات الفوقانية. وهذا أيضا قول قد ذهب إليه قوم، واستدلوا عليه بما نشاهده (3) من حركة الكواكب المتحيرة وارتعادها في مرأى (4) العين واضطرابها. قالوا: لان المتحيرة متحركة في أفلاكها، ونحن نشاهدها بالحس البصري، وبيننا وبينها أجرام الأفلاك الشفافة، ونشاهدها مرتعدة حسب ارتعاد الجسم السائر في الماء، وما ذاك إلا لان السماء الدنيا ماء متموج، فارتعاد الكواكب