الشرح:
لسائل أن يسأل فيقول: ظاهر هذا الكلام أنه سبحانه خلق الفضاء والسماوات بعد خلق كل شئ، لأنه قد قال قبل: " فطر الخلائق، ونشر الرياح، ووتد الأرض بالجبال "، ثم عاد فقال: " أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء "، وهو الآن يقول: " ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء "، ولفظة " ثم " للتراخي.
فالجواب أن قوله (1): " ثم " هو تعقيب وتراخ، لا في مخلوقات البارئ سبحانه، بل في كلامه عليه السلام، كأنه يقول: ثم أقول الآن بعد قولي المتقدم: إنه تعالى أنشأ فتق الأجواء. ويمكن أن يقال: أن لفظة " ثم " هاهنا تعطي معنى الجمع المطلق كالواو، ومثل ذلك قوله تعالى: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " (2).
واعلم أن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل يشتمل على مباحث:
منها: أن ظاهر لفظه أن الفضاء الذي هو الفراغ الذي يحصل فيه الأجسام خلقه الله تعالى ولم يكن من قبل، وهذا يقتضي كون الفضاء شيئا، لان المخلوق لا يكون عدما محضا.
وليس ذلك ببعيد، فقد ذهب إليه قوم من أهل النظر، وجعلوه جسما لطيفا خارجا عن مشابهة هذه الأجسام. ومنهم من جعله مجردا.
فان قيل: هذا الكلام يشعر بأن خلق الأجسام في العدم المحض قبل خلق الفضاء ليس بممكن، وهذا ينافي العقل.
قيل: بل هذا هو محض مذهب الحكماء، فأنهم يقولون إنه لا يمكن وجود جسم