مع مشقة قال تعالى: (إنك كادح إلى ربك كدحا) (1). وهاتا، بمعنى هذه " ها " للتنبيه، و " تا " للإشارة، ومعنى " تا " ذي، وهذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا، وهو العقل.
* * * وفي هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ:
أولها: قوله: " لقد تقمصها "، أي جعلها كالقميص مشتملة عليه، والضمير للخلافة، ولم يذكرها للعلم بها، كقوله سبحانه: (حتى توارت بالحجاب) (2)، وكقوله: (كل من عليها فان) (3)، وكقول حاتم:
أماوي ما يغنى الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (4) وهذه اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: (ولباس التقوى) (5)، وقول النابغة (6):
تسربل سربالا من النصر وارتدى عليه بعضب في الكريهة فاصل الثانية: قوله: " ينحدر عنى السيل "، يعنى رفعة منزلته عليه السلام، كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف، ينحدر السيل عنه إلى الوهاد والغيطان، قال الهذلي:
وعيطاء يكثر فيها الزليل وينحدر السيل عنها انحدارا (7) الثالثة قوله عليه السلام: " ولا يرقى إلى الطير "، هذه أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، لان السيل ينحدر عن الرابية والهضبة، وأما تعذر رقى الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدا، بل ما هو أعلى من قلال الجبال، كأنه يقول: إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها، قال أبو الطيب:
فوق السماء وفوق ما طلبوا فإذا أرادوا غاية نزلوا (8)