- 3 - ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية (1):
الأصل:
أما والله. لقد تقمصها ابن أبي قحافة (2)، وإنه ليعلم أن محلى منها محل القطب من الرحا، ينحدر عنى السيل، ولا يرقى إلى الطير. فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن (3) حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا.
الشرح:
سدلت دونها ثوبا، أي أرخيت، يقول ضربت بيني وبينها حجابا، فعل الزاهد فيها، الراغب عنها. وطويت عنها كشحا، أي قطعتها وصرمتها، وهو مثل، قالوا: لان من كان إلى جانبك الأيمن ماثلا فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه، والكشح: ما بين الخاصرة والجنب. وعندي أنهم أرادوا غير ذلك، وهو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه، كما أن من أكل وشبع فقد ملا كشحه، فكأنه أراد أنى أجعت نفسي عنها، ولم ألتهمها. واليد الجذاء بالدال المهملة وبالذال المعجمة، والحاء المهملة مع الذال المعجمة، كله بمعنى المقطوعة. والطخية: قطعة من الغيم والسحاب. وقوله: " عمياء "، تأكيد لظلام الحال واسودادها، يقولون: مفازة عمياء، أي يعمى فيها الدليل. ويكدح: يسعى ويكد