إن قيل: لا تخلو الصحابة إما أن تكون عدلت عن الأفضل لعلة ومانع في الأفضل، أو لا لمانع. فإن كان لا لمانع، كان ذلك عقدا للمفضول بالهوى، فيكون باطلا، وأن كان لمانع - وهو ما تذكرونه من خوف الفتنة، وكون الناس كانوا يبغضون عليا عليه السلام ويحسدونه - فقد كان يجب أن يعذرهم أمير المؤمنين عليه السلام في العدول عنه، ويعلم أن العقد لغيره هو المصلحة للاسلام، فكيف حسن منه أن يشكوهم بعد ذلك، ويتوجد عليهم!
وأيضا، فما معنى قوله: " فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء "، على ما تأولتم به كلامه؟ فإن تارك الأولى لا يصال عليه بالحرب!
قيل: يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام لم يغلب على ظنه ما غلب على ظنون الصحابة من الشغب وثوران الفتنة، والظنون تختلف باختلاف الامارات، فرب إنسان يغلب على ظنه أمر يغلب على ظن غيره خلافه. وأما قوله: " أرتئي بين أن أصول "، فيجوز أن يكون لم يعن به صيال الحرب، بل صيال الجدل والمناظرة، يبين ذلك أنه لو كان جادلهم وأظهر ما في نفسه لهم، فربما خصموه بأن يقولوا له: قد غلب على ظنوننا أن الفساد يعظم ويتفاقم إن وليت الامر، ولا يجوز مع غلبة ظنوننا لذلك أن نسلم الامر إليك، فهو عليه السلام قال: طفقت أرتئي بين أن أذكر لهم فضائلي عليهم، وأحاجهم بها، فيجيبوني بهذا الضرب من الجواب - الذي تصير حجتي به جذاء مقطوعة، ولا قدرة لي على تشييدها ونصرتها - وبين أن أصبر على ما منيت به، ودفعت إليه.
إن قيل: إذا كان عليه السلام لم يغلب على ظنه وجود العلة والمانع فيه، وقد استراب الصحابة وشكاهم لعدولهم عن الأفضل الذي لا علة فيه عنده فقد سلمتم أنه ظلم الصحابة ونسبهم إلى غصب حقه، فما الفرق بين ذلك وبين أن يستظلمهم لمخالفة النص؟ وكيف