وأما أصحابنا رحمهم الله، فلهم أن يقولوا: إنه لما كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الأفضل والأحق، وعدل عنه إلى من لا يساويه في فضل، ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سؤدد وشرف - ساغ إطلاق هذه الألفاظ، وإن كان من وسم بالخلافة قبله عدلا تقيا، وكانت بيعته بيعة صحيحة، ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان:
أحدهما أعلم من الآخر بطبقات كثيرة، فيجعل السلطان الأنقص علما منهما قاضيا، فيتوجد الأعلم (1) ويتألم، وينفث أحيانا بالشكوى، ولا يكون ذلك طعنا في القاضي ولا تفسيقا له، ولا حكما منه بأنه غير صالح، بل للعدول عن الأحق والأولى! وهذا أمر مركوز في طباع البشر، ومجبول في أصل الغريزة والفطرة، فأصحابنا رحمهم الله، لما أحسنوا الظن بالصحابة، وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب، وأنهم نظروا إلى مصلحة الاسلام، وخافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل وتفضي إلى ذهاب النبوة والملة، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق، إلى فاضل آخر دونه، فعقدوا له - احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة عمن يعتقدونه في الجلالة والرفعة قريبا من منزلة النبوة، فتأولوها بهذا التأويل، وحملوها على التألم، للعدول عن الأولى.
وليس هذا بأبعد من تأويل الامامية قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) (2)، وقولهم: معنى " عصى " أنه عدل عن الأولى، لان الامر بترك أكل الشجرة كان أمرا على سبيل الندب، فلما تركه آدم، كان تاركا للأفضل والأولى، فسمى عاصيا باعتبار مخالفة الأولى، وحملوا " غوى " على " خاب " لا على الغواية بمعنى الضلال. ومعلوم أن تأويل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وحمله على أنه شكا من تركهم الأولى أحسن من حمل قوله تعالى: (وعصى آدم) على أنه ترك الأولى.