[ثم] قال له: ما قول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟
قال: فيهم المسرور بما كان بينك وبينهم، وأولئك أغشاء الناس لك، وفيهم المكتئب الآسف (1) بما كان من ذلك. فأولئك نصحاء الناس.
فقال: صدقت جعل الله ما كان من شكواك حظا لسيئاتك، فإن المرض لا أجر فيه ولكن لا يدع على المرء ذنبا إلا حطه، وإنما الأجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل، فإن الله ليدخل بصدق النية والسريرة الصالحة / 60 / عالما الجنة (2).
ثم مضى فدخل الكوفة، فسمع البكاء والأصوات، فقيل له: هذا البكاء على قتلى صفين. فقال: أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة.
ثم مر فسمع الأصوات، وسمع وجبة شديدة، فوقف، فخرج إليه حارث بن شرحبيل فقال له علي. [أ] تغلبكم نساؤكم؟ ألا تنهونهن على هذا الرنين؟
فقال [حارث]: يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك، ولكنه قتل من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل، وليس فيها دار إلا وفيها بكاء، فأما نحن معاشر الرجال فإنا لا نبكي، ولكنا نفرح لهم بالشهادة.
فقال علي: رحم الله (3) قتلاكم وموتاكم. وأقبل الرجل يمشي معه وعلي راكب [وهو راجل] فقال له علي: إرجع. فوقف فقال له: إرجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة للمؤمن.
ثم مضى، فلم يزل يذكر الله حتى دخل القصر.