فقال لهم ابن عباس فقد قال الله: " فابعثوا حكما / 61 / من أهله وحكما من أهلها " [35 / النساء: 4] أرأيتم إن كانت المرأة يهودية أليس قد دارت حكومة أهلها وهم غير عدول؟
وأما قولهم في الموادعة، فإن الله إنما أزال الموادعة عند ظهور الإسلام وعلو أهله [على] عدوهم (1) وقد كانت الموادعة قبل الهجرة، والدعوة غير ظاهرة وأنصار الدين بهم قلة، فالموادعة زائلة متى وجبت القوة وكان المسلمون على الكثرة والقوة والعدة التي من أجلها زالت الموادعة، ومتى اختلفت الكلمة ورجع أهل الحق إلى قلة، وكان أهل الباطل أكثر رجعت الموادعة إلى علتها قبل الهجرة ووجب حكمها بوجوب علتها، وقد تعلمون أن المشركين من سائر الملة ومن أقر بالصلاة من أهل البغي من الأمة قد أوجب الله قتالهم على حد معروف وفرض موصوف تخفيف من الله (2) بعد فرض كان أشد في المحنة منه فقال: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مأتين، وإن يكن منكم ألف يغلبون ألفين " [66 / الأنفال: 8] فهذا تحديد في الفرض خفف الله به عن الخلق في محنة الحرب بعد أن كان الفرض على المائة محاربة الألف.
قلنا: فمتى نقص من هذا التحديد من عدة المؤمنين، وكان المشركون أكثر من العدد الذي حدد الله في قتالهم حلت للمؤمنين الموادعة، ووسعهم الكف حتى يصيروا إلى الحد الذي ذكره الله تعالى، فقد جعل الله للموادعة حدا وهو (3) حكم الله بين عباده أبدا في محاربة العدو، ولم يحصل من علي بن أبي طالب يوم صفين عند الفرقة واختلاف الكلمة إلا قليل، وإنما تراجع الناس إليه بعد الحكمين حين انكشف للناس غدر عمرو