كتاجر لا بصر له بالذهب والفضة، فإن صار في يده من ذلك ما لا علم له به عرضه على البصير يسلم في تجارته وأضعف رأس ماله، وإن أهملتم أنفسكم وجمح بكم سوء النظر، وقلد بعضكم بعضا الخبر كنتم كمن تعسف تجارته وقل نظره لنفسه، ولم يعرض ما وقع في يده من فضته وذهبه على البصراء به وقلد من هو في مثل حاله في أمره ونهيه وجهله، ولم يلبث إلا ريثما حتى أفقر نفسه وذهب رأس ماله.
وقد يأثرون (1) عن النبي صلى الله عليه في تحقيق ما قلنا أنه قال: " رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (2) وأنتم المعنيون بهذا الحديث، والمرادون به إذا كانت معرفتكم به أسماء الرجال وعددهم.
وعنه يؤثر صلى الله عليه أنه قال: " يحمل هذا العلم من كل خلف من أهل بيتي عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين (3).
وكيف ينفي ذلك من لا علم له بالمقايسة وجمع الأشباه؟ ومن هو عن النظر بمعزل؟
ومن دينه السكوت؟! وترك الفكرة والتدبير للجمع بين ما صح وفسد، لبحق الحق ويبطل الباطل.
[وقد كشفنا الستار عن الحق] لتعلموا أن القوم الذين عنوا بالفقه والتمييز والتدبير هم أهل الحق والنظر، فأما من لا تمييز عنده بين باطل من حق كيف يعلم من أفرط وغلا، وتأويل من قصر وأخطأ؟! وفي كل ذلك يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إذا أتاكم عني حديث فاحملوه على أحسن وجوهه وظنوا به الذي هو أزكى وأهدى وأتقى ".
فكيف يحمله على أحسن وجوهه من لا يخطر الفكرة فيه على قلبه؟ ومن قد حرم