مشاجرة في النسب، ولا شبهة فيحتاج أبو بكر إلى ذكره ونعته فهذا من قوله محال، وقد علموا جميعا أن أبا بكر ليس بخيرهم نسبا، ولا معنى لهذا التأويل أكثر من التلطف إلى الحيلة، وإنما قال أبو بكر ذلك عندنا على جهة الإبانة [عن نفسه].
فإن بعض الناس (1) توهم أن الولاية كانت لأبي بكر على جهة التفضيل والتقدمة، فأبان عن نفسه، ونفى غلط الناس في ذلك وخطأهم وتعديهم وردهم إلى الحق، ووقفهم عليه لأن هذا كان طريقه ومذهبه / 10 / أن يحمل الناس على الصواب فيه وفي غيره، ويبين لهم الحق عند تركه والذهاب عنه، فقال: وليتكم ولست بخيركم فلا تجعلوا ولايتي سببا لغلطكم وقولكم: أني أفضل وأحق من غيري.
وقد احتال قوم أيضا لهذه الكلمة حيلة أخرى، فقالوا: إنما كان ذلك منه على حد التواضع والنصفة، وترك التزكية، لأن المؤمن لا يمدح نفسه ولا يزكيها على لسانه لقول الله تعالى: " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " [32 / النجم: 53].
وهذا في التأويل أوضح خطأ من الأول مع ما يلزم قائله من النقص وذلك لأن التواضع لا يكون في الكذب ولا الإنصاف يكون على نفي مصير الحق، لأن هذا القول من غير أبي بكر كذب، وكيف يكون من غيره كذبا ومنه تواضعا؟ ولا يجوز أن يقول المؤمن: " لست بمؤمن " تواضعا وقد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق تواضعا وإنصافا، ولا يجوز أن يقول: " أرسلت إليكم ولست بخيركم " على التواضع والنصفة، وليس من التواضع أن يقول الزكي: لست بزكي (2) والمؤمن لست بمؤمن، والصالح لست بصالح، والفاضل لست بفاضل، وإنما التواضع يكون بالإمساك عن ذكر نفسه ومدحه لها وحسن المحاورة والمساواة، بحسن العشرة.
ثم نرجع إلى المقدمين لأبي بكر على أبي حسن بالمسألة، فنقول (3): ما حجتكم