عبد العزيز من المجددين على رأس المائة الأولى، ولا الإمام الشافعي على رأس المائة الثانية، لأنه لم يكن ولادة عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى فضلا عن أن يكون مجددا عليه، وكذلك لم يكن ولادة الشافعي على رأس المائة الثانية فكيف يصح كونه مجددا عليه.
فإن قلت: الظاهر من رأس المائة من حيث اللغة هو أولها لا آخرها، فكيف يراد آخرها؟
قلت: كلا بل جاء في اللغة رأس الشيء بمعنى آخره أيضا.
قال في تاج العروس: رأس الشيء طرفه، وقيل آخره. انتهى.
قلت: وعليه حديث ابن عمر: " أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد " أخرجه الشيخان، فإنه لا مرية في أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث هو آخر المائة.
قال الحافظ في فتح الباري في تفسير رأس مائة سنة: أي عند انتهاء مائة سنة. انتهى.
وقال الطيبي: الرأس مجاز عن آخر السنة وتسميته رأسا باعتبار أنه مبدأ لسنة أخرى. انتهى.
وعليه حديث أنس بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة، الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل. قال في مجمع البحار: توفاه على رأس ستين، أي آخره. ورأس أية آخرها. انتهى.
وفيه نقلا عن الكرماني، وقيل إنه (أي أبو الطفيل) مات سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالته. انتهى. فإذن ظهر حق الظهور أن المراد من رأس كل مائة آخر كل مائة.
ثم اعلم أن ابن الأثير والطيبي وغيرهما زعموا أن المجدد هو الذي انقضت المائة وهو حي معلوم مشهور مشار إليه فجعلوا حياة المجدد وبقاءه بعد انقضاء المائة شرطا له، فعلى هذا من كان على رأس المائة، أي آخرها، ووجد فيه جميع أوصاف المجدد، إلا أنه لم يبق بعد انقضاء المائة بل توفي على رأس المائة الموجودة قبل المائة الآتية بخمسة أيام مثلا لا يكون مجددا، لكن لم يظهر لي على هذا الاشتراط دليل، وما قال بعض السادات الأعاظم إن قيد الرأس اتفاقي، وإن المراد أن الله تعالى يبعث في كل مائة، سواء كان في أول المائة أو وسطها أو آخرها، واختاره ليس بظاهر، بل الظاهر أن القيد احترازي، ولذلك لم يعد كثير من الأكابر الذين كانوا في وسط المائة من المجددين وإن كان أفضل من المجدد الذي كان على رأس المائة ففي مرقاة الصعود: قد يكون في أثناء المائة من هو أفضل من المجدد على رأسها.
نعم لو ثبت كون قيد الرأس اتفاقيا بدليل صحيح لكان دائرة المجددية أوسع ولدخل كثير من الأكابر المشهورين المستجمعين بين لصفات المجددية في المجددين، كالإمام أحمد بن حنبل