العصر (فيأتي ذا الحليفة) هي قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة منها ميقات أهل المدينة وهي من مياه بني جشم (حين تسقط الشمس) أي تغرب الشمس (وصلى الصبح مرة بغلس) والغلس بفتحتين: بقايا الظلام. قال ابن الأثير: الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح انتهى.
والحديث يدل على استحباب التغليس وأنه أفضل من الإسفار ولولا ذلك لما لازمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، وبذلك احتج من قال باستحباب التغليس. وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والأوزاعي وداود وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب، وحكى هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز، واحتجوا بالأحاديث المذكورة في هذا الباب وغيرها، ولتصريح أبي مسعود في هذا الحديث بأنها كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار. وقد حقق شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين المحدث هذه المسألة في كتابه معيار الحق: ورجح التغليس على الإسفار وهو كما قال. وذهب الكوفيون أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه والثوري والحسن بن حي، وأكثر العراقيين وهو مروى عن علي وابن مسعود إلى أن الإسفار أفضل.
(فأسفر بها) قال في القاموس: سفر الصبح يسفر أضاء وأشرق (ولم يعد) بضم العين من عاد يعود (إلى أن يسفر) من الإسفار. ولفظ الطحاوي: فأسفر ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله عز وجل، وهكذا لفظ الدارقطني. وفي لفظ له: حتى مات. قال المنذري:
والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة بنحوه ولم يذكروا رؤيته لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة. انتهى. (روى هذا الحديث) أي حديث أمامة جبرئيل من رواية أبي مسعود الأنصاري