في الكمال أي فقد رآني رؤيا ليس بعدها شئ وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخصه أنه يؤخذ من قوله فان الشيطان لا يتمثل بي أن من تمثلت صورته صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصورت له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل ذلك أصدق من مراي غيرهم لما من الله به عليهم من تنوير قلوبهم انتهى وهذا المقام الذي أشار إليه هو الالهام وهو من جملة أصناف الوحي إلى الأنبياء ولكن لم أر في شئ من الأحاديث وصفه بما وصفت به الرؤيا أنه جزء من النبوة وقد قيل في الفرق بينهما إن المنام يرجع إلى قواعد مقررة وله تأويلات مختلفة ويقع لكل أحد بخلاف الالهام فإنه لا يقع إلا للخواص ولا يرجع إلى قاعدة يميز بها بينه وبين لمة الشيطان وتعقب بأن أهل المعرفة بذلك ذكروا أن الخاطر الذي يكون من الحق يستقر ولا يضطرب والذي يكون من الشيطان يضطرب ولا يستقر فهذا إن ثبت كان فارقا واضحا ومع ذلك فقد صرح الأئمة بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بذلك قال أبو المظفر بن السمعاني في القواطع بعد أن حكى عن أبي زيد الدبوسي من أئمة الحنفية أن الالهام ما حرك القلب لعلم يدعو إلى العمل به من غير استدلال والذي عليه الجمهور أنه لا يجوز العمل به إلا عند فقد الحجج كلها في باب المباح وعن بعض المبتدعة أنه حجة واحتج بقوله نعالى فألهمها فجورها وتقواها وبقوله وأوحى ربك إلى النحل أي ألهمها حتى عرفت مصالحها فيؤخذ منه مثل ذلك للآدمي بطريق الأولى وذكر فيه ظواهر أخرى ومنه الحديث قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن وقوله لوابصة ما حاك في صدرك فدعه وإن أفتوك فجعل شهادة قلبه حجة مقدمة على الفتوى وقوله قد كان في الأمم محدثون فثبت بهذا أن الالهام حق وأنه وحي باطل وانما حرمه العاصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه قال وحجة أهل السنة الآيات الدالة على اعتبار الحجة والحث على التفكير في الآيات والاعتبار والنظر في الأدلة وذم الأماني والهواجس والظنون وهي كثيرة مشهورة وبأن الخاطر قد يكون من الله وقد يكون من الشيطان وقد يكون من النفس وكل شئ أحتمل أن يكون حقا لما يوصف بأنه حق قال والجواب عن قوله فألهمها فجورها وتقواها أن معناه عرفها طريق العلم وهو الحجج وأما الوحي إلى النحل فنظيره في الآدمي فيما يتعلق بالصنائع وما فيه صلاح المعاش وأما الفراسة فنسلمها لكن لا تجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره انتهى ملخصا وقال ابن السمعاني وإنكار الالهام مردود ويجوز أن يفعل الله بعبده ما يكرمه به ولكن التمييز بين الحق والباطل في ذلك أن كل ما استقام على الشريعة المحمدية ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وإلا فمردود يقع من حديث النفس ووسوسة الشيطان ثم قال ونحن لا ننكر أن الله يكرم عبده بزيادة نور منه يزداد به نظره ويقوي به رأيه وانما ننكر ان يرجع إلى قلبه بقول لا يعرف أصله ولا نزعم أنه حجة شرعية وانما هو نور يختص الله به من يشاء من عباده فان وافق الشرع كان الشرع هو الحجة انتهى ويؤخذ من هذا ما تقدم التنبيه عليه أن النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشئ هل يجب عليه امتثاله ولا بد أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر فالثاني هو المعتمد تنبيه وقع في المعجم الأوسط للطبراني من حديث أبي سعيد مثل أول حديث في الباب بلفظه لكن زاد فيه ولا بالكعبة وقال لا تحفظ هذه اللفظة إلا في هذا الحديث الحديث الثاني حديث أنس (قوله من رآني في المنام فقد رآني) هذا اللفظ وقع مثله
(٣٤٣)