في ذلك حتى قال بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي قال المازري اختلف المحققون في تأويل هذا الحديث فذهب القاضي أبو بكر ابن الطيب إلى أن المراد بقوله من رآني في المنام فقد رآني أن رؤياه صحيحة لا تكون أضغاثا ولا من تشبيهات الشيطان قال ويعضده قوله في بعض طرقه فقد رأى الحق قال وفي قوله فأن الشيطان لا يتمثل بي إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثا ثم قال المازري وقال آخرون بل الحديث محمول على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك ولا عقل يحيله حتى يحتاج إلى صرف الكلام عن ظاهره وأما كونه قد يرى على غير صفته أو يرى في مكانين مختلفين معا فإن ذلك غلط في صفته وتخيل لها على غير ما هي عليه وقد يظن بعض الخيالات مرئيات لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة فتكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والإدراك لا يشترط فيه تحذيق البصر ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض أو مدفونا وانما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الخبر الصحيح ما يدل على بقائه وتكون ثمره اختلاف الصفات اختلاف الدلالات كما قال بعض علماء التعبير إن من رآه شيخا فهو عام سلم أو شابا فهو عام حرب ويؤخذ من ذلك ما يتعلق بأقواله كما لو رآه أحد يأمره بقتل من لا يحل قتله فان ذلك يحمل على الصفة المتخيلة لا المرئية وقال القاضي عياض يحتمل أن يكون معنى الحديث إذا رآه على الصفة التي كان عليها في حياته لا على صفة مضادة لحاله فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة فان من الرؤيا ما يخرج على وجهه ومنها ما يحتاج إلى تأويل وقال النووي هذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها كما ذكره المازري وهذا الذي رده الشيخ تقدم عن محمد بن سيرين إمام المعبرين اعتباره والذي قاله القاضي توسط حسن ويمكن الجمع بينه وبين ما قال المازري بأن تكون رؤياه على الحالين حقيقة لكن إذا كان على صورته كأن يرى في المنام على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير وإذا كان على غير صورته كان النقص من جهة الرائي لتخيله الصفة على غير ما هي عليه ويحتاج ما يراه في ذلك المنام إلى التعبير وعلى ذلك جرى علماء التعبير فقالوا إذا قال الجاهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن صفته فان وافق الصفة المروية وإلا فلا يقبل منه وأشاروا إلى ما إذا رواه على هيئة تخالف هيئته مع أن الصورة كما هي فقال أبو سعد أحمد بن محمد بن نصر من رأى نبيا على حاله وهيئته فذلك دليل على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا فذاك دال على سوء حال الرائي ونحا الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة إلى ما أختاره النووي فقال بعد أن حكى الخلاف ومنهم من قال إن الشيطان لا يتصور على صورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذاك خلل في الرائي من جهة الدين قال وهذا هو الحق وقد جرب ذلك فوجد على هذا الأسلوب وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يتبين للرائي هل عنده خلل أو لا لأنه صلى الله عليه وسلم نوراني مثل المرآة الصقيلة
(٣٤١)