من حديث عائشة ما يؤيد أنهم كانوا يعتبرون استلحاق الام في صورة وإلحاق القائف في صورة ولفظها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء الحديث وفيه يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومضت ليال أرسلت إليهم فاجتمعوا عندها فقالت قد ولدت فهو ابنك يا فلان فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع إلا أن قالت ونكاح البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن فوضعت جمعوا لها القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرى القائف لا يمتنع من ذلك انتهى واللائق بقصة أمة زمعة الأخير فلعل جمع القافة لهذا الولد تعذر بوجه من الوجوه أو أنها لم تكن بصفة البغايا بل أصابها عتبة سرا من زنا وهما كافران فحملت وولدت ولدا يشبهه فغلب على ظنه أنه منه فبغته الموت قبل استلحاقه فأوصى أخاه أن يستلحقه فعمل سعد بعد ذلك تمسكا بالبراءة الأصلية قال القرطبي وكان عبد بن زمعة سمع أن الشرع ورد بان الولد للفراش وإلا فلم يكن عادتهم الالحاق به كذا قاله وما أدرى من أين له هذا الجزم بالنفي وكأنه بناه على ما قال الخطابي أمة زمعة كانت من البغايا اللاتي عليهن من الضرائب فكان الالحاق مختصا باستلحاقها على ما ذكر أو بالحاق القائف على ما في حديث عائشة لكن لم يذكر الخطابي مستندا لذلك والذي يظهر من سياق القصة ما قدمته أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فأنفق على أن عتبة زنى بها كما تقدم وكانت طريقة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استلحقه لحقه وان نفاه انتفى عنه وإذا ادعاه غيره كان مرد ذلك إلى السيد أو القافة وقد وقع في حديث بن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيد ما قلته وأما قوله إن عبد بن زمعة سمع أن الشرع الخ نفيه نظر لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة وهو بمكة لم يعلم بعد ولا يسمعه سعد بن أبي وقاص وهو من السابقين الأولين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حين إسلامه إلى حين فتح مكة نحو العشرين سنة حتى ولو قلنا إن الشرع لم يرد بذلك الا في زمن الفتح فبلوغه لعبد قبل سعد بعيد أيضا والذي يظهر لي أن شرعية ذلك انما عرفت من قوله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة الولد للفراش وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليدعيه بل الذي يظهر أن كلا من سعد وعتبة بنى على البراءة الأصلية وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع وقد أخرج أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قام رجل فقال يا رسول الله ان فلان ابني عاهرت بأمه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الاسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الحجر وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع في زمن الفتح وهو يؤيد ما قلته واستدل بهذه القصة على أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ أن يستلحق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزا أو يوافقه باقي الورثة وامكان كونه من المذكور وأن يوافق على ذلك أن كان بالغا عاقلا وأن لا يكون معروف الأب وتعقب بأن زمعة كان له ورثة غير عبد وأجيب بأنه لم يخلف وارثا غيره إلا سودة فإن كان زمعة مات كافرا فلم يرثه إلا عبد وحده وعلى تقدير أن يكون أسلم وورثته سودة فيحتمل أن تكون وكلت أخاها في ذلك أو ادعت أيضا وخص مالك وطائفة الاستلحاق بالأب وأجابوا بأن الالحاق لم ينحصر في استلحاق عبد لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك بوجه من الوجوه كاعتراف زمعة بالوطئ ولأنه انما حكم بالفراش لأنه قال بعد قوله هو لك الولد
(٢٨)