فقال ما كذب الفؤاد ما رأى ورؤيا العين فقال ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى وروى الطبراني في الأوسط بإسناد قوي عن ابن عباس قال رأى محمد ربه مرتين ومن وجه آخر قال نظر محمد إلى ربه جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد فإذا تقرر ذلك ظهر ان مراد ابن عباس هنا برؤية العين المذكورة جميع ما ذكره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة من الأشياء التي تقدم ذكرها وفي ذلك رد لمن قال المراد بالرؤيا في هذه الآية رؤياه صلى الله عليه وسلم انه دخل المسجد الحرام المشار إليها بقوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام قال هذا القائل والمراد بقوله فتنة للناس ما وقع من صد المشركين له في الحديبية عن دخول المسجد الحرام انتهى وهذا وإن كان يمكن ان يكون مراد الآية لكن الاعتماد في تفسيرها على ترجمان القرآن أولى والله أعلم واختلف السلف هل رأى ربه في تلك الليلة أم لا على قولين مشهورين وأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وطائفة وأثبتها ابن عباس وطائفة وسيأتي بسط ذلك في الكلام على حديث عائشة حيث ذكره المصنف بتمامه في تفسير سورة النجم من كتاب التفسير إن شاء الله تعالى (قوله والشجرة الملعونة في القرآن قال هي شجرة الزقوم) يريد تفسير الشجرة المذكورة في بقية الآية وقد قيل فيها غير ذلك كما سيأتي في موضعه في التفسير إن شاء الله تعالى (قوله باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة) ذكر ابن إسحاق وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره فلما امتنعوا منه كما تقدم في بدء الخلق شرحه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة انه اتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل وقال موسى بن عقبة عن الزهري فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم الا ان يؤوه ويمنعوه ويقول لا أكره أحد منكم على شئ بل أريد ان تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل اعلم به وأخرج البيهقي واصله عند أحمد وصححه ابن حبان من حديث ربيعة بن عباد بكسر المهملة وتخفيف الموحدة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل الحديث وروى أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه فان قريشا منعوني ان أبلغ كلام ربي فأتاه رجل من همدان فأجابه ثم خشي ان لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال آتي قومي فأخبرهم ثم آتيك من العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل وجاء وفد الأنصار في رجب وقد اخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه ان يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وانا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي ربيعة أنتم قالوا من ذهل فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
(١٧١)