تأكيدا أو فرع على أن الأول كان مناما وهذا يقظة أو بالعكس والله أعلم وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم ان للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه اثبات الاستئذان وانه ينبغي لمن يستأذن أن يقول انا فلان ولا يقتصر على انا لأنه ينافي مطلوب الاستفهام وان المار يسلم على القاعد وإن كان المار أفضل من القاعد وفيه استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء وجواز مدح الانسان المأمون عليه الافتتان في وجهه وفيه جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل وقد سبق البحث فيه في أول الصلاة وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار لما وقع من الاسراء بالليل ولذلك كانت أكثر عبادته صلى الله عليه وسلم بالليل وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فان الأرض تطوى بالليل وفيه ان التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم انه عالج الناس قبله وجربهم ويستفاد منه تحكيم العادة والتنبيه بالأعلى على الأدنى لان من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة وقد قال موسى في كلامه انه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة قال ويستفاد منه ان مقام الخلة مقام الرضا والتسليم ومقام التكليم مقام الادلال والانبساط ومن ثم استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام مع أن للنبي صلى الله عليه وسلم من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له من موسى لمقام الأبوة ورفعة المنزلة والاتباع في الملة وقال غيره الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها وانهم خالفوه وعصوه وفيه ان الجنة والنار قد خلقتا لقوله في بعض طرقه التي بينتها عرضت علي الجنة والنار وقد تقدم البحث فيه في بدء الخلق وفيه استحباب الاكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في اجابته مشورة موسى في سؤال التخفيف وفيه فضيلة الاستحياء وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها وان لم يستشر الناصح في ذلك * الحديث الثاني (قوله حدثنا عمرو) هو ابن دينار (قوله في قوله) أي في تفسير قوله (تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس قال هي رؤيا أعين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس) قلت وايراد هذا الحديث في باب المعراج مما يؤيد ان المصنف يرى اتحاد ليلة الاسراء والمعراج بخلاف ما فهم عنه من افراد الترجمتين وقد قدمت ان ترجمته في أول الصلاة تدل على ذلك حيث قال فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وقد تمسك بكلام ابن عباس هذا من قال الاسراء كان في المنام ومن قال إنه كان في اليقظة فالأول اخذ من لفظ الرؤيا قال لان هذا اللفظ مختص برؤيا المنام ومن قال بالثاني فمن قوله أريها ليلة الاسراء والاسراء انما كان في اليقظة لأنه لو كان مناما ما كذبه الكفار فيه ولا فيما هو أبعد منه كما تقدم تقريره وإذا كان ذلك في اليقظة وكان المعراج في تلك الليلة تعين ان يكون في اليقظة أيضا إذ لم يقل أحد انه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإذا كان في اليقظة فإضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب وقد أثبت الله تعالى رؤيا القلب في القرآن
(١٧٠)