وقد تقدم بيان ذلك في أواخر كتاب الوتر (قوله إلى ناس من المشركين وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد) هكذا ساقه هنا وقوله قبلهم بكسر القاف وفتح الموحدة واللام أي من جهتهم وأورده في آخر كتاب الوتر عن مسدد عن عبد الواحد بلفظ إلى قوم من المشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وليس المراد من ذلك أيضا بواضح وقد ساقه الإسماعيلي مبينا فأورده يوسف القاضي عن مسدد شيخ البخاري فيه ولفظه إلى قوم من المشركين فقتلهم قوم مشركون دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فظهر أن الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد غير الذين قتلوا المسلمين وقد بين ابن إسحاق في المغازي عن مشايخه وكذلك موسى بن عقبة عن ابن شهاب أصحاب الطائفتين وأن أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الآسنة وأن الطائفة الأخرى من بني سليم وأن عامر بن الطفيل وهو ابن أخي ملاعب الأسنة أراد الغدر بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بني عامر إلى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمة أبي براء فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بني سليم فأطاعوه وقتلوهم وذكر لحسان شعرا يعيب فيه أبا براء ويحرضه على قتال عامر بن الطفيل فيما صنع فيه فعمد ربيعة بن أبي براء إلى عامر بن الطفيل فطعنه فأرداه فقال له عامر بن الطفيل إن عشت نظرت في أمري وإن مت فدمي لعمي قالوا ومات أبو براء عقب ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل وعاش عامر بن الطفيل بعد ذلك ومات بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمته ووقع في آخر الحديث في الدعوات فقنت شهرا في صلاة الفجر وقال إن عصية عصت الله ورسوله وعصية بطن من بني سليم مصغر قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم (قوله باب غزوة الخندق وهي الأحزاب) يعني أن لها اسمين وهو كما قال والأحزاب جمع حزب أي طائفة فأما تسميتها الخندق فلأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكره أصحاب المغازي منهم أبو معشر قال قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه وجاء المشركون فحاصروهم وأما تسميتها الأحزاب فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن تبعهم وقد أنزل الله تعالى في هذه القصة صدر سورة الأحزاب وذكر موسى بن عقبة في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير إلى مكة يحرض قريشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في بني غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مددا لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب وذكر بن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف قال وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المشركون أربعة آلاف والمسلمون نحو الألف وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين
(٣٠١)