لكونه أشهر آلات الغسل عرفا والذهب لكونه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها ولان فيه خواص ليست لغيره ويظهر لها هنا مناسبات منها انه من أواني الجنة ومنها انه لا تأكله النار ولا التراب ولا يلحقه الصدأ ومنها انه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي وقال السهيلي وغيره ان نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة اذهاب الرجس عنه ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه وان نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه ولثقله ورسوبته والوحي ثقيل قال الله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ومن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ولأنه أعز الأشياء في الدنيا والقول هو الكتاب العزيز ولعل ذلك كان قبل ان يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة ولا يكفي ان يقال إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه ان يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم ويمكن ان يقال إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا وما وقع في تلك الليلة كان الغالب انه من أحوال الغيب فيلحق بأحكام الآخرة (قوله مملوءة كذا بالتأنيث وتقدم في أول الصلاة البحث فيه (قوله ايمانا) زاد في بدء الخلق وحكمة وهما بالنصب على التمييز قال النووي معناه ان الطست كان فيها شئ يحصل به زيادة في كمال الايمان وكمال الحكمة وهذا الملء يحتمل ان يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء ان سورة البقرة تجئ يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب وقال البيضاوي لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وقال ابن أبي جمرة فيه ان الحكمة ليس بعد الايمان أجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وأصح ما قيل في الحكمة انها وضع الشئ في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد توجد الحكمة دون الايمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لان الايمان يدل على الحكمة (قوله فغسل قلبي) في رواية مسلم فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه قال ابن أبي جمرة وانما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة ثم استقر في الأرض فأريد بذلك بقاء بركة النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض وقال السهيلي لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لام إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ناسب ان يغسل بمائها عند دخول حضرة القدوس ومناجاته ومن المناسبات المستبعدة قول بعضهم ان الطست يناسب طس تلك آيات القرآن (قوله ثم حشي ثم أعيد) زاد في رواية مسلم مكانه ثم حشي ايمانا وحكمة وفي رواية شريك فحشي به صدره ولغاديده بلام وغين معجمة أي عروق حلقه وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلا عمن شاهده فقد جرت العادة بأن من شق بطنه واخرج قلبه يموت لا محالة ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضررا ولا وجعا فضلا عن غير ذلك قال ابن أبي جمرة الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه ايمانا وحكمة بغير شق الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا ولذلك وصف بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى واختلف هل كان شق صدره وغسله مختصا به أو وقع لغيره من الأنبياء وقد وقع عند الطبراني في قصة تابوت بني إسرائيل انه كان فيه الطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء وهذا مشعر
(١٥٧)