ثم يكون جميع ما اشتمل عليه مورد القبول الجميع، وتصديق الكل، ولو كان صاحبه في نهاية العظمة، وغاية الدقة، وكان حظه من الحياة والتعيش مع أبناء عصره حظا أو في، ونصيبا أعلى، وكتابه في كل عصر بمرءى ومسمع من الناس، فكيف بالكتاب الذي صاحبه مرعوب وجل، وعاش في زاوية الاختفاء مطرودا عن أهله ومصره، وكان مطلوبا للقتل والصلب من قبل ألد الخصوم، واسفك الأنام للدماء، وهو حجاج بن يوسف المنصوب من قبل الأمويين، الذين يرون حب علي وأولاده ومتابعتهم أكبر من كل زندقة والحاد، ولعنهم والتبري منهم، وستر مناقبهم، واظهار شخصيات معانديهم، أعظم من كل قربة ورشاد.
هذا كله بالنسبة إلى صاحب الكتاب، واما الكتاب ومطالبه فعند أعداء أهل البيت عين الكفر والالحاد، ولأجله كان في أغلب الاعصار، مخزونا عند أهله لا يطمثه إنس ولا جان، كل ذلك خوفا من القتل والاستيصال وهتك الحرمات، واسترقاق البنين والنبات.
وهذه الأمور من الأسباب العادية للتلف، ومحق بعض الحقائق، لا سيما في الاعصار القديمة التي كانت الكتب فيها غير مطبوعة، ولذا شنت غارات الحوادث على جل كتب المتقدمين من علماء الإمامية، فكم من صحائف مكرمة قد أكلتها دواب الأرض، وكم من زبر معظمة قد تقاطر عليها الأمطار فمحتها من صفحة الوجود، وكم من حقائق مرقومة قد جنت عليها أيادي الظالمين وأعداء الدين بالحرق والغرق، والمزق والسحق، ومحوها بالبزاق والبصاق!!
فلولا عناية الباري بحفظ دينه، وآثار أوليائه، لأصبحت تلك الآثار اسما بلا مسمى، كالعنقاء والكيمياء.
أضف إلى جميع ما ذكرنا السهو والنسيان، وهو مالا يخلو منه أحد،