فتعجب المأمون من ذلك غاية العجب، ثم إنه أخذ السمكة في يده، وكر راجعا إلى داره وترك الصيد في ذلك اليوم، وهو متفكر فيما صاده البازي من الجو.
فلما وصل موضع الصبيان وجدهم على حالهم، ووجد محمدا معهم، فتفرقوا على جاري عادتهم إلا محمدا، فلما دنا منه الخليفة، قال: يا محمد!
قال: لبيك يا أمير المؤمنين!
قال: ما في يدي؟
فأنطقه الله تعالى بأن قال: إن الله تعالى خلق في بحر قدرته، المستمسك في الجو ببديع حكمته، سمكا صغارا، فصاد منها بزاة الخلفاء، كي يختبر بها سلالة بيت المصطفى.
فلما سمع المأمون كلامه، تعجب منه وأكثر، وجعل يطيل النظر فيه، وقال:
أنت ابن الرضا حقا، ومن بيت المصطفى صدقا.
وأخذه معه وأحسن إليه، وقربه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، فلم يزل مشفقا به لما ظهر له أيضا بعد ذلك من بركاته ومكاشفاته وكراماته وفضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنه، ولم يزل المأمون متوفرا على تبجيله وعطائه وإجلاله وإكرامه (1).