أكن به رأسه وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا، وكذلك وصفهم الله عز وجل حيث يقول ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾ (١) ما الذي آتوا به، آتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم، وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.
ثم قال: إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن.
ثم قال: نعم صومعة المسلم بيته، يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه. إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه، ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت له:
إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي، فقال: هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب، أما تلوت قصة سحرة موسى (عليه السلام)؟ ثم قال: كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه؟! وكم من مستدرج بستر الله عليه؟! وكم من مفتون بثناء الناس عليه؟! ثم قال: إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثم تلا ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ (2).
ثم قال: يا حفص الحب أفضل من الخوف. ثم قال: والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى.
فبكى رجل، فقال: أتبكي؟ لو أن أهل السماوات والأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك، ثم كان لك قلب حي لكنت