فقال: يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك إن بعث الله تعالى بمطر مقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر جعلته آية تستطيل بها وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا وتركبن على الرؤوس وخفقن وطرن بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين وسلطهما علي فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة، فأما المطر المعتاد مجيئه فلست أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت، وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه وكانا متقابلين على المسند.
فغضب علي بن موسى (عليه السلام) وصاح بالصورتين: دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الحاجب ورضاه [ورضرضاه] وهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون، فلما فرغا منه أقبلا على الرضا (عليه السلام) وقالا: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟ أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون.
فغشى على المأمون مما سمع منهما، فقال الرضا (عليه السلام): قفا فوقفا، ثم قال الرضا (عليه السلام): صبوا عليه ماء ورد وطيبوه، ففعل ذلك به وعاد الأسدان يقولان:
أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال: لا فإن لله عز وجل فيه تدبيرا هو ممضيه، فقالا: ماذا تأمرنا؟ فقال: عودا إلى مقركما كما كنتما، فصارا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا فقال المأمون: الحمد الله الذي كفاني شر حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس - ثم قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الأمر لجدكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لكم فلو شئت لنزلت عنه لك، فقال الرضا (عليه السلام): لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك، فإن الله عز وجل قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلا جهال بني آدم فإنهم وإن خسروا حظوظهم فلله عز وجل فيهم تدبير، وقد أمرني بترك