ثم أقبل على أصحابه فقال:
أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى، فبين صريع يتلوى، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجى وآخر مسجى، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي. فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟ قال: الهوى، قال: فأي ذل أذل؟ قال: الحرص على الدنيا، قال: فأي فقر أشد؟ قال: الكفر بعد الإيمان، قال: فأي دعوة أضل؟ قال:
الداعي بما لا يكون، قال: فأي عمل أفضل؟ قال: التقوى، قال: فأي عمل أنجح؟
قال: طلب ما عند الله، قال: فأي صاحب لك شر؟ قال: المزين لك معصية الله عز وجل، قال: فأي الخلق أشقى؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره، قال: فأي الخلق أقوى قال:
الحليم، قال: فأي الخلق أشح؟ قال: من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه، قال: فأي الناس أكيس؟ قال: من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده، قال: فمن أحلم الناس؟ قال: الذي لا يغضب، قال: فأي الناس أثبت رأيا؟ قال:
من لم يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بتشوفها، قال: فأي الناس أحمق؟
قال: المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها، قال: فأي الناس أشد حسرة؟ قال: الذي حرم الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، قال: فأي الخلق أعمى؟ قال: الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من عند الله عز وجل، قال:
فأي القنوع أفضل؟ قال: القانع بما أعطاه الله، قال: فأي المصائب أشد؟ قال:
المصيبة بالدين، قال: فأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: انتظار الفرج، قال: فأي الناس خير عند الله عز وجل؟ قال: أخوفهم لله وأعملهم بالتقوى وأزهدهم في الدنيا، قال: فأي الكلام أفضل عند الله عز وجل؟ قال: كثرة ذكره والتضرع إليه بالدعاء، قال: فأي القول أصدق؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، قال: فأي الأعمال أعظم عند الله عز وجل؟
قال: التسليم والورع، قال: فأي الناس أكرم، قال: من صدق في المواطن.