بجزالة المعنى، وفخامة اللفظ، وحسن الصياغة، وقوة التركيب، وبرع هو بفلج الحجة، وجودة الإفاضة، والحصول على البراهين الدامغة، والوصول إلى مغازي التعبيرات، فجاء شعره في أئمة الدين عليهم السلام كسيف صارم لشبه أهل النصب، أو المعول الهدام لبيوت عناكب التمويهات ضد إمامة العترة الطاهرة، وقصيدته (المحبرة) التي اقتطفنا منها موضع الشاهد لكتابنا هذا لهي الشهيدة بكل ما أنبأناك عنه، كما أنها الحجة القاطعة على عبقريته الشعرية كما شهد به أبو حاتم السجستاني فيما عرفت عنه.
ولد المترجم سنة 212 وتوفي في نيف وعشرين وثلاثمائة، وأنشد سنة 310 و له 98 عاما من عمره قوله:
دنيا مغبة من أثرى بها عدم * ولذة تنقضي من بعدها ندم وفي المنون لأهل اللب معتبر * وفي تزودهم منها التقى غنم والمرء يسعى لفضل الرزق مجتهدا * وما له غير ما قد خطه القلم كم خاشع في عيون الناس منظره * والله يعلم منه غير ما علموا وقال بعد أن أتت عليه مائة سنة:
حنى الدهر من بعد استقامته ظهري * وأفضى إلى ضحضاح غايته عمري ودب البلى في كل عضو ومفصل * ومن ذا الذي يبقى سليما على الدهر ومن شعره ما ذكره النويري في (نهاية الإرب في فنون الأدب) في الجزء العاشر ص 122 من قوله في وصف البقر:
يا حبذا مخضها ورائبها * وحبذا في الرجال صاحبها عجولة (1) سمحة مباركة * ميمونة طفح محالبها تقبل للحلب كلما دعيت * ورامها للحلاب حالبها فتية سنها مهذبة * معنف في الندي عائبها كأنها لعبة مزينة * يطير عجبا بها ملاعبها كأن ألبانها جنى عسل * يلذها في الإناء شاربها؟؟