القهقرى، فتبقى مرتطمة بين هذه وبين تهالكها في الفجور وسيئ الخلق، فتعود دولة قيصرية ومملكة جاهلية.
ثم إن نفس الخليفة إذا شاهد من استحوذ عليهم من الأمم على هذه الأحوال، و علم أنه قد ملك الرقاب ولا منكر عليه من بينهم على مأثم يرتكبها أو سيئات يجترحها فإنه بالطبع يتوغل في غلوائه، ويزداد في انهماكه، ويشتد في التفرعن والاستعباد.
فأي خطر (أيها الخضري) أعظم على المجتمع الديني من هذه الأحوال؟!
وأي مصلحة أعظم من اكتساح هذه المعرة؟ تدفع كل ديني غيور إلى النهوض في وجه هذه السلطة القاسية، وأي (عسف شديد ينوء الناس بحمله) أو (جور ظاهر لا يحتمل) أشد مما ذكرنا؟! الذي يترك كل متدين أن يرى من واجبه الانكار عليه، والنهضة تجاهه ولو بمفرده، وإن علم أنه مقتول لا محالة، فإنه وإن يقتل في يومه لكن حياته الأبدية في سبيل الدين والشريعة لا تزال مضعضعة لأركان الدولة الظالمة، وهو فيها يتلو على الملأ صحيفة صاحبها السوداء، وإنه كان مغتصبا ذلك العرش المقدس، و إنه إنما وئد هذا الانسان دون إنكاره على جرائمه، ويتخذ الملأ الواقف على حديثه درسا راقيا من التضحية، والمفادات دون المبدء الصحيح، فيقتصون أثره، ويحصل هناك قوم يرقبون لهذا المضحي فينهضون لثاراته، وفي الأمة بقية ساخطة لمآثم المتغلب، وفتكه بالمنكر عليه، فتلتقي الروحان: الثائرة والساخطة، فتنهك هذه قوى الدولة الغاشمة، وتتثبط الأخرى عن مناصرتها، فيكون هناك بوار الظلم، وظهور الصالح العام.
وهكذا أثرت نهضة الحسين المقدسة حتى أجهزت على دولة الأمويين أيام حمارهم، وهكذا علمت الأمة دروسها الراقية، لكن (الخضري) ومن يلف لفه قد أعشى الجهل أبصارهم بصائرهم.
لم يكن حسين التضحية يريد ملكا عضوضا حتى كان خروجه قبل الأهبة خطأ عظيما كما يحسبه (الخضري) فيقول بملأ فمه: فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه..
وإنما أراد الفادي الكريم والمجاهد الظافر التضحية في سبيل الدين، ليعلم الأمة