حادث شوه صحايف التأليف هناك فكرة غير صالحة، وإن شئت قلت: بدعة سيئة فتحت على الأمة باب التقول بمصراعيه، وعنها تتشعب شجنة الإفك في الحديث، وينبعث القول المزور: وإليها يستند كل بهرجة وسفسطة. ألا وهي: هذه الخطة الحديثة في التأليف، واتخاذ هذا الأسلوب الحديث الذي يروق بسطاء الأمة ويسمونه تحليلا، ويرونه حسنا في الكتابة.
هذه الفكرة هي التي خفت بها وطأة التأليف، وطأة حزونته، وكثر بذلك المؤلفون فجاء لفيف من الناس يؤلف وكل منهم سلك وادي تضلل (1) ولا يخفق على جرته (2) ويرمي القول على عواهنه، وينشر في الملأ ما ليس للمجتمع فيه درك، فيتحكم في آراءه، ويكذب في حديثه، ويخون في نقله، ويحرف الكلم عن مواضعه، و يقذف من خالف نحلته، وينسبه إلى ما شائه هواه، ويسلقه بالبذاء، ولا يكفف عنه لغبه.
هذه الفكرة هي التي جرت على الأمة شية العار، ووصمة الشنار، ورمتها بثالثة الأثافي، ومدت يد الفحشاء على التأليف، وأبدت في صفحاته وصمات سوء، فراح شرف الاسلام، وأدب الدين، وأمانة النقل، ومكانة الصدق، ضحية الميول والشهوات، ضحية الأهواء والنزعات الباطلة، ضحية الأقلام المستأجرة.
هذه الفكرة هي التي شوهت وجه التأليف، وجنت بها الأقلام، وولدت في القلوب ضغاين، فجاء المفسر يأول القرآن برأيه، والمحدث يختلق حديثا يوافق ذوقه، و المتكلم يذكر فرقا مفتعلة، والفقيه يفتي بما يحبذه، والمؤرخ يضع في التاريخ ما يرتضيه، كل ذلك قولا بلا دليل، وتحكما بلا بينة، وتكلما بلا مأخذ، ودعوى بلا برهان، وتقولا بلا مصدر، وكذبا بلا مبالاة، وإفكا بلا تحاشي، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.