ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف ولو كان في بلد بعيد وفي زمن قديم قد انقضى، فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد، وقد تطرق التعصب في الواقعة، فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب، فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلا، وإذا لم يعرف وجب احسان الظن به.
ومع هذا لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف من تاب عن قتل، ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فاذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله تعالى.
ولو جاز لعنه فسكت عنه لم يكن عاصيا بالاجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لم لا تلعن إبليس؟ ويقال لللاعن: لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون؟ والملعون هو المبعد من الله عز وجل، وهو غيب لا يعرف الا في من مات كافرا، فان ذلك علم بالشرع.
وأما الترحم عليه، فهو جائز بل مستحب، بل هو داخل في قولنا في كل صلاة (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) فإنه كان مؤمنا والله أعلم، كتبه الغزالي (1).
أقول: هذا نصب عظيم من الغزالي لأهل البيت (عليهم السلام)، وانكار للضروريات، ودفع للمتواترات بالراح، فان رضا يزيد - لعنه الله - بقتل الحسين (عليه السلام) وأمره به وبسط الأموال على الأنطاع، وامداده ابن زياد بالجيوش والعساكر، مما تواتر وأجمعت عليه التاريخ والسير على اختلاف مذاهبهم وتفاوت معتقداتهم ونحلهم.
وقد صنف ابن الجوزي الحنبلي كتابا في جواز لعنه، سماه الرد على المتعصب العنيد